كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروي أيضًا بيينما مالك بن دينار يومًا جالس إذ جاءه رجل فقال: يا أبا يحيى ادع لامرأتي حبلى منذ أربع سنين قد أًصبحت في كرب شديد فغضب مالك وأطبق المصحف ثم قال: ما يرى هؤلاء القوم إلا أنا أنبياء ثم قرأ ثم دعا ثم قال: اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجه عنها وإن كان كان في بطنها جارية فأبدلها غلامًا فإنك تمحو وتثبت وعند أم الكتاب ورفع مالك يده ورفع الناس أيديهم وجاء الرسول إلى الرجل فقال أدرك امرأتك فذهب الرجل فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت أسنانه ما قطعت سراره.
وروي ايضًا أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يا أمير المؤمنين: إني غبت عن امرأتي سنتين فجئت وهي حبلى فشاور عمر الناس في رجمها فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل فاتركها حتى تضع فتركها فوضعت غلامًا قد خرجت ثنيتاه فعرف الرجل الشبه فقال: ابني ورب الكعبة فقال عمر: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، لولاك يا معاذ لهلك عمر.
وقال الضحاك: وضعتني أمي وقد حملت بي في بطنها سنتين، فولدتني وقد خرجت سني.
ويذكر عن مالك أنه حمل به بطن أمه سنتان وقيل ثلاث سنين، ويقال إن محمد بن عجلان مكث في بطن أمه ثلاث سنين فماتت به وهو يضطرب اضطرابًا شديدًا فشق بطنها وأخرج وقد نبتت اسنانه، وقال حماد بن سلمة إنما سمي هرم بن حيان هرمًا لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين.
وذكر الغزنوي أن الضحاك ولد لسنتين وقد طلعت سنه فسمي ضحاكًا.
وعن عباد بن العوام قال: ولدت جارة لنا لأربع سنين غلامًا شعره إلى منكبيه فمر به طير فقال له كش اهـ كلام القرطبي.
قال مقيده- عفا الله عنه: أظهر الأقوال دليلًا لا حد لأكثر أمد الحمل وهو الروايةالثالثة عن مالك كما نقله عنه القرطبي لأن كل تحديد بزمن معين لا أصل له ولا دليل عليه وتحديد زمن بلا مستند صحيح لا يخفى سقوطه والعلم عند الله تعالى.
وأما أقل الحيض وأكثره فقد اختلف فيه العلماء ايضًا فذهب مالك إلى أن أقل الحيض بالنسبة إلى العبادة كالصوم ووجوب الغسل لا حد له بل لو نزلت من المرأة قطرة دم واحدة لكان حيضة بالنسبة إلى العبادة، أما بالنسبة إلى الاستبراء والعدة فقيل كذلك أيضًا، والمشهور أنه يرجع في قدر ذلك للنساء العارفات بالقدر الذي يدل على براءة الرحم من الحيض قال خليل بن إسحاق في مختصره الذي قال فيه مبينًا لما به الفتوى ورجع في قدر الحيض هنا هل هو يوم أو بعضه إلى قوله للنساء أي رجع في ذلك كله للنساء اهـ.
والظاهر أنه عند مالك من قبيل تحقيق المناط والنساء أدرى بالمناط في ذلك.
أما أكثر الحيض عند مالك فهو بالنسبة إلى الحيضة الأولى التي لم تحض قبلها نصف شهر، ثم إن تمادى عليها الدم بعد نصف الشهر فهي مستحاضة وأما المرأة التي اعتادت الحيض فأكثر مدة حيضها عنده هو زيادة ثلاثة أيام استظهارًا على أكثر أزمنة عادتها إن تفاوت زمن حيضها فإن حاضت مرة ستًا ومرة خمسًا ومرة سبعًا استظهرت بالثلاثة على السبعة لأنها أكثر عادتها ومحل هذا إذا لم يزد ذلك على نصف الشهر فإن زاد على نصف الشهر فهي طاهر عند مضي نصف الشهر وكل هذا في غير الحامل وسيأتي الكلام في هذا المبحث إن شاء الله على الدم الذي تراه الحامل.
هذا حاصل مالك في أقل الحيض وأكثره وأما أكثر الطهر فلا حد له ولا خلاف في ذلك بين العلماء وأقل الطهر في مذهب مالك لم يصرح به مالك بل قال يسأل النساء عن عدد أيام الطهر.
وقال الشيخ أبو محمد في سالته إنه نحو ثمانية أيام أو عشرة أيام. وقال ابن سراج: ينبغي أن تكون الفتوى بذلك لأن الشيخ أبا محمد استقرأ ذلك من المدونه وهو قول سحنون وقال ابن مسلمة أقل الطهر في مذهب مالك خمسة عشر يومًا واعتمده صاحب التلقين وجعله ابن شاس المشهور وعليه درج خليل بن إسحا في مختصره حيث قال وأكثره لمبتدئه نصف شهر كأقل الطهر.
وذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهما الله في المشهور الصحيح عنهما أن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يومًا وهو قول عطاء وأبي ثور وأقل الطهر عند الشافعي باتفاق أصحابه خمسة عشر يومًا ونقل الماوردي عن أكثر أهل العلم أن أقل الطهر خمسة عشر يومًا وقال الثوري أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يومًا.
قال أبو ثور وذلك مما لا يختلفون فيه فيما نعلم.
وذهب الإمام أحمد إلى أن أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يومًا. روى عنه ذلك الأثرم وأبو طالب. وقد قدمنا مرارًا أن أكثر الطهر لا حد له إجماعًا. قال النووي في شرح المهذب: ودليل الإجماع الاستقراء: لأن ذلك موجود مشاهد، ومن أظرفه ما نقله القاضي أبو الطيب في تعليقه قال: أخبرتني امرأة عن أختها أنها تحيض في كل سنة يومًا وليلة وهي صحيحة تحبل وتلد ونفاسها أربعون يوما.
وذهب الإمام أبو حنيفة- رحمه الله- إلى أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة. وعن ابي يوسف: أقله يومان وأكثر الثالث. وأقل الطهر عند أبي حنيفة وأصحابه: خمسة عشر يومًا ولا حد لأكثره عنده، كما قدمنا حكاية الإجماع عليه مرارًا، ويستثنى من ذلك مراعاة المعتادة المستحاضة لزمن طهرها وحيضها.
وعن يحيى بن أكثم: أقل الطهر تسعة عشر يومًا. وحكى الماوردي عن مالك ثلاث روايات في أكثر الحيض. إحداها: خمسة عشر، والثانية: سبعة عشر، والثالثة: غير محدودة.
وعن مكحول: أكثر الحيض سبعة أيام، وعن عبد الملك بن الماجشون: أقل الطهر خمسة ايام. ويحكى عن نساء الماجشون: أنهن كن يحضن سبع عشرة. قال أحمد: وأكثر ما سمعنا سبع عشرة.
هذا حاصل أقوال العلماء في أقل الحيض وأكثره، وهذه أدلتهم. أما أبو حنيفة ومن وافقه، فاحتجوا لمذهبهم أن أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة بحديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة ايام».
وبما روي عن ابي أمامة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام ولا أقل من ثلاثة ايام» وبما روي عن أنس رضي الله عنه قال: الحيض ثلاث، أربع، خمس، ست، سبع، ثمان، تسع، عشر. قالوا: وأنس لا يقول هذا إلا توقيفًا. قالوا: ولأن هذا التقدير، والتقدير لا يصح إلا بتوقيف أو اتفاق، وإنما حصل الاتفاق على ثلاثة، ورد الجمهور الاستدلال بالأحاديث المذكورة بأنها ضعيفة لا تثبت بمثلها حجة.
قال النووي في شرح المهذب ما نصه: وأما حديث واثلة وأبي أمامة وأنس، فكلها ضعيفة متفق على ضعفها عند المحدثين. وقد اوضح ضعفها الدارقطني ثم البيهقي في كتاب الخلافيات ثم السنن الكبير. اهـ.
وقال ابن قدامة في المغني: حديث واثلة يرويه محمد بن أحمد الشامي وهو ضعيف عن حماد بن المنهال وهو مجهول. وحديث أنس يرويه الجلد بن ايوب وهو ضعيف. قال ابن عيينة هو حديث لا اصل له. وقال أحمد في حديث أنس: ليس هو شيئًا هذا من قبل الجلد بن ايوب قيل إن محمد بن إسحاق رواه. قال ما أرواه سمعه إلا من الحسن بن دينا وضعفه ددًا. وقال يزيد بن زريع ذاك أبو حنيفة لم يحتج إلا بالجلد بن أيوب وحديث الجلد قد روي عن علي رضي الله عنه ما يعارضه، فإنه قال ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليلة. وقال البيهقي في سنن الكبرى فهذا حديث يعرف بالجلد بن أيوب، وقد أنكر عليه ذلك.
وقال البيهقي أيضًا قال ابن علية الجلد أعرابي لا يعرف الحديث. وقال أيضًا قال الشافعي نحن وأنت لا نثبت مثل حديث الجلد، ونستدل على غلط من هو أحفظ منه باقل من هذا.
وقال أيضًا قال سليمان بن حرب كان حماد يعني ابن زيد يضعف الجلد ويقول لم يكن يعقل الحديث. وروى البيهقي أيضاَ بإسناده عن حماد بن زيد قال ذهبت أنا وجرير بن حازم إلى الجلد بن أيوب فحدثنا بحديث معاوية بن قرة عن أنس في الحائض، فذهبنا نوقفه، فإذا هو لا يفصل بين الحائض والمستحاضة. وروي أيضًا بإسناده عن أحمد بن سعيد الدارمي قال سألت أبا عاصم عن الجلد بن أيوب فضعفه جددًا وقال كان الشيخ من مشايخ العرب تساهل أصحابنا في الرواية عنه.
وروى البيهقي أيضًا عن عبد الله بن المبارك أن أهل البصرة كانوا ينكرون حديث الجلد بن أيوب ويقولون شيخ من شيوخ العرب ليس بصاحب حديث. قال ابن المبارك وأهل مصره أعلم به من غيرهم. قال يعقوب وسمعت سليمان بن حرب وصدقة بن الفضل وإسحاق بن إبراهيم، وبلغني عن أحمد بن حنبل أنهم كانوا يضعفون الجلد بن أيوب ولا يرونه في موضع الحجة. وروي بإسناده أيضًا عن ابن عيينة أنه كان يقول ما جلد ومن جلد ومن كان جلد.
وروي بإسناده ايضًا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي ذكر الجلد بن أيوب فقال: ليس يسوي حديثه شيئًا ضعيف الحديث اهـ. وإنما أطلنا الكلام في تضعيف هذا الأثر. لأنه أقوى ما جاء في الباب على ضعفه كما ترى. وقد قال البيهقي في السنن الكبرى: روي في أقل الحيض وأكثره أحاديث ضعاف قد بينت ضعفها في الخلافيات.
وأما حجة من قال إن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر، كالشافعي وأحمد ومن وافقهما، فهي أنه لم يثبت في ذلك تحديد من الشرع فوجب الرجوع إلى المشاهد في الوجود. والمشاهد أن الحيض لا يقل عن يوم وليلة ولا يزيد على نصف شهر. قالوا وثبت مستفيضًا عن السلف من التابعين فمن بعدهم وجود ذلك عيانا، ورواه البيهقي وغيره عن عطاء والحسن وعبيد الله بن عمر ويحيى بن سعيد وربيعة وشريك والحسن بن صالح وعبد الرحمن بن مهدي رحمهم الله تعالى.
قال النووي: فإن قيل روى إسحاق بن راهوية عن بعضهم أن امرأة من نساء الماجشون حاضت عشرين يومًا وعن ميمون بن مهران أن بنت سعيد بن جبير كانت تحته وكانت تحيض من السنة شهرين، فجوابه بما أجاب به المصنف في كتابه النكت أن هذين النقلين ضعيفان.
فالأول عن بعضهم وهو مجهولن وقد أنكره بعضهم، وقد أنكره الإمام مالك بن انس وغيره من علماء المدينة.
والثاني رواه الوليد بن مسلم عن رجل عن ميمون، والرجل مجهول. والله أعلم.اهـ.
وأما حجة مالك في أكثر الحيض للمبتدئة، فكحجة الشافعي وأحمد وحجته في أكثره لمعتادة ما رواه الإمام مالك وأحمد والشافعي وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن أم سلمة رضي الله عنها أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة تهراق الدم فقال: «لتنظر قد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهم من الشهر فتدع الصلاة ثم لتغسل ولتستشفر ثم تصلي» اهـ.
وهذا الحديث نص في الرجوع إلى عادة الحائض.
قال ابن حجر في التلخيص في هذا الحديث قال النووي إسناده على شرطهما وقال البيهقي هو حديث مشهور، إلا أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة وفي رواية لأبي داود عن سليمان أن رجلًا أخبره عن أم سلمة، وقال المنذري لم يسمعه سليمان منها. وقد رواه موسى بن عقبة عن نافع عن سليمان عن مرجانة عنها، وساقه الدارقطني من طريق صخر بن جويرة عن نافع عن سليمان أنه حدثه رجل عنها. اهـ.
وللحديث شواهد متعددة تقوي رجوع النساء إلى عادتهن في الحيض كحديث حمنة بنت جحش، وحديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش، وأما زيادة ثلاثة أيام، فهي لأجل الاستظهار والتحري في انقضاء الحيضة ولا أعلم لها مستندًا من نصوص الوحي الثابتة، وأما حجة مالك في أقل الحيض بالنسبة إلى العبادات فهي التمسك بظاهر إطلاق النصوص ولم يرد نص صحيح في التحديد.
وأما أقله بالنسبة إلى العدة والاستبراء فحجته فيه أنه من قبيل تحقيق المناط لأن الحيض دليل عادي على براءة الرحم فلابد فيما طلبت فيه بالحيض الدلالة على راءة الرحم من حيض يدل على ذلك بحسب العادة المطردة، ولذا جعل الرجوع في ذلك إلى النساء العارفات بذلك لأن تحقيق المناط يرجع فيه لمن هو أعرف به وإن كان لاحظ له من علوم الوحي، وحجة يحيى بن أكثم في قوله «إن اقل الطهر تسعة عشر» هي أنه يرى أن أكثر الحيض عشرة ايام وأن الشهر يشتمل على طهر وحيض، فعشرة منه للحيض والباقي طهر. وقد يكون الشهر تسعًا وعشرين فالباقي بعد عشرة الحيض تسعة عشر. هذا هو حاصل أدلتهم وليس على شيء منها دليل من كتاب ولا سنة يجب الرجوع إليه. وأقرب المذاهب في ذلك هو أكثرها موافقة للمشاهد ككون الحيض لا يقل عن يوم وليلة ولا يكثر عن نصف شهر، وكون أقل الطهر نصف شهر والله تعالى أعلم.